سورة يوسف - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


{يُوسُفُ أَيُّهَا الصديق} أيها البليغ في الصدق وإنما قال له ذلك لأنه ذاق وتعرف صدقه في تأويل رؤياه ورؤيا صاحبه حيث جاء كما أوَّل {أَفْتِنَا فِى سَبْعِ بقرات سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سنبلات خُضْرٍ وَأُخَرَ يابسات لَّعَلّى أَرْجِعُ إِلَى الناس} إلى الملك وأتباعه {لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} فضلك ومكانك من العلم فيطلبوك ويخلصوك من محنتك {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ} هو خبر في معنى الأمر كقوله: {تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الأخر وتجاهدون} الصف: 11) دليله قوله {فذروه في سنبله} وإنما يخرج الأمر في صورة الخبر للمبالغة في وجود المأمور به فيجعل كأنه موجود فهو يخبر عنه {دَأَبًا} بسكون الهمزة وحفص يحركه وهما مصدرا دأب في العمل، وهو حال من المأمورين أي دائبين {فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنبُلِهِ} كي لا يأكله السوس {إِلاَّ قَلِيلاً مّمَّا تَأْكُلُونَ} في تلك السنين {ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذلك سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ} هو من إسناد المجاز جعل كل أهلهن مسنداً إليهن {مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} أي في السنين المخصبة {إِلاَّ قَلِيلاً مّمَّا تُحْصِنُونَ} تحرزون وتخبئون.


{ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذلك عَامٌ} أي من بعد أربع عشرة سنة عام {فِيهِ يُغَاثُ الناس} من الغوث أي يجاب مستغيثهم، أو من الغيث أي يمطرون يقال: غيثت البلاد إذا مطرت {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} العنب والزيتون والسمسم فيتخذون الأشربة والأدهان. {تعصرون} حمزة فأول البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخاصيب. والعجاف واليابسات بسنين مجدبة. ثم بشرهم بعد الفراغ من تأويل الرؤيا بأن العام الثامن يجيء مباركاً كثير الخير غزير النعم، وذلك من جهة الوحي.
{وَقَالَ الملك ائتونى بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرسول} ليخرجه من السجن {قَالَ ارجع إلى رَبّكَ} أي الملك {فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النسوة} أي حال النسوة {التاى قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} إنما تثبت يوسف وتأنى في إجابة الملك وقدم سؤال النسوة ليظهر براءة ساحته عما رمي به وسجن فيه لئلا يتسلق به الحاسدون إلى تقبيح أمره عنده ويجعلوه سلماً إلى حط منزلته لديه ولئلا يقولوا ما خلد في السجن سبع سنين إلا لأمر عظيم وجرم كبير وفيه دليل على أن الاجتهاد في نفي التهم واجب وجوب اتقاء الوقوف في مواقفها، وقال عليه السلام: «لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان ولو كنت مكانه ما أخبرتهم حتى أشترط أن يخرجوني، ولقد عجبت منه حين أتاه الرسول فقال ارجع إلى ربك ولو كنت مكانه ولبثت في السجن ما لبث لأسرعت الإجابة وبادرت الباب ولما ابتغيت العذر إن كان لحليماً ذا أناة» ومن كرمه وحسن أدبه أنه لم يذكر سيدته مع ما صنعت به وتسببت فيه من السجن والعذاب واقتصر على ذكر المقطعات أيديهن {إِنَّ رَبّى بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} أي إن كيدهن عظيم لا يعلمه إلا الله وهو مجازيهن عليه. فرجع الرسول إلى الملك من عند يوسف برسالته فدعا الملك النسوة المقطعات أيديهن ودعا امرأة العزيز ثم.


{قَالَ} لهن {مَا خَطْبُكُنَّ} ما شأنكن {إِذْ رَاوَدتُنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ} هل وجدتن منه ميلاً إليكن {قُلْنَ حَاشَ للَّهِ} تعجبا من قدرته على خلق عفيف مثله {مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوء} من ذنب {قَالَتِ امرأت العزيز الئن حَصْحَصَ الحق} ظهر واستقر {أَنَاْ راودته عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصادقين} في قوله {هي روادتني عن نفسي} ولا مزيد على شهادتهم له للبراءة والنزاهة واعترافهن على أنفسهن إنه لم يتعلق بشيء مما قذف به.
ثم رجع الرسول إلى يوسف وأخبره بكلام النسوة وإقرار امرأة العزيز وشهادتها على نفسها فقال يوسف {ذلك} أي امتناعي من الخروج والتثبت لظهور البراءة {لِيَعْلَمَ} العزيز {أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} بظهر الغيب في حرمته، و{بالغيب} حال من الفاعل أو المفعول على معنى وأنا غائب عنه أو وهو غائب عني، أو ليعلم الملك أني لم أخن العزيز {وَأَنَّ الله} أي وليعلم أن الله {لاَ يَهْدِى كَيْدَ الخائنين} لا يسدده وكأنه تعريض بامرأته في خيانتها أمانة زوجها. ثم أراد أن يتواضع لله ويهضم نفسه لئلا يكون لها مزكياً وليبين أن ما فيه من الأمانة بتوفيق الله وعصمته فقال: {وَمَا أُبَرّئ نَفْسِى} من الزلل وما أشهد لها بالبراءة الكلية ولا أزكيها في عموم الأحوال، أو في هذه الحادثة لما ذكرنا من الهم الذي هو الخطرة البشرية لا عن طريق القصد والعزم {إِنَّ النفس لأَمَّارَةٌ بالسوء} أراد الجنس أي إن هذا الجنس يأمر بالسوء ويحمل عليه لما فيه من الشهوات {إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبّى} إلا البعض الذي رحمه ربي بالعصمة ويجوز أن يكون ما رحم في معنى الزمان أي إلا وقت رحمة ربي يعني أنها أمارة بالسوء في كل وقت العصمة، أو هو استثناء منقطع أي ولكن رحمة ربي يعني أنها أمارة بالسوء في كل وقت إلا وقت العصمة أو هو استثناء منقطع أي ولكن رحمة ربي هي التي تصرف الإساءة، وقيل: هو من كلام امرأة العزيز أي ذلك الذي قلت ليعلم يوسف أني لم أخنه ولم أكذب عليه في حال الغيبة وجئت بالصدق فيما سئلت عنه، وما أبرئ نفسي مع ذلك من الخيانة فإني قد خنته حين قذفته وقلت {ما جزاء من أراد بأهلك سوءأً إلا أن يسجن} وأودعته السجن، تريد الاعتذار مما كان منها إن كل نفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إلا نفسها رحمها الله بالعصمة كنفس يوسف {إِنَّ رَبّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ} استغفرت ربها واسترحمته مما ارتكبت وإنما جعل من كلام يوسف ولا دليل عليه ظاهر لأن المعنى يقود إليه. وقيل: هذا من تقديم القرآن وتأخيره أي قوله {ذلك ليعلم} متصل بقوله {فاسئله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن}.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10